الحمدُ لله ذي المَنِّ والتوفيقِ والإنعام، شَرَعَ لعِبادِه شَهْرَ رمضان للصيام والقيام، مرَّةً واحدةً كُلَّ عام، وجَعَلَهُ أحَدَ أركانِ الإسلام ومَبانيهِ العِظام، ومُطهِّرًا للنفوس مِن الذنوب والآثام، والصلاةُ والسلامُ على مَنِ اختارَهُ اللهُ لبيانِ الأحكام، واصطفاهُ لتبليغِ شَرْعِه للأنام؛ فكان خَيْرَ مَنْ قام وصَام، وَوَفَّى واستقام، وعلى آله الأصفياء وصحابتِه الكِرام، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ على الدوام، أمَّا بعد: فلقد فَرَضَ اللهُ تعالى الصيامَ على جميعِ الأُمَمِ وإِنْ اختلفَتْ بينهم كيفيتُه ووقتُه، قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ ﴾ [البقرة]، وفي السَّنَةِ الثانية مِن الهجرة أَوْجَبَ اللهُ تعالى صيامَ رمضان وجوبًا آكدًا على المسلم البالغ، فإِنْ كان صحيحًا مُقيمًا وَجَبَ عليه أداءً، وإِنْ كان مريضًا وَجَبَ عليه قضاءً، وكذا الحائض والنُّفَساء، وإِنْ كان صحيحًا مُسافرًا، خُيِّرَ بين الأداءِ والقضاء، وقَدْ أَمَرَ تعالى المُكلَّفَ أَنْ يصوم الشهرَ كُلَّه ...